29‏/03‏/2012
11:22 م


خطبة للدكتور عدنان خطاطبة تحتل جزء من واجه موقع ملتقى الخطباء
عنوان اللخطبة "زيارة النبي صلى الله عليه وسلم للمرضى - وقفه تحليلية "


للتعليق في نفس الموقع والقراءة من المصدر :  




إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أوصيكم ونفسي وإياكم بتقوى الله.

أما بعد:

أيها المؤمنون: نبينا صلى الله عليه وسلم هو قدوتنا ومعلمنا، وهديه خير الهدي، وحيثما جُلْت في حياته صلى الله عليه وسلم وجدت عجبًا؛ وجدت الإيمان والإخلاص والتواضع والبركة.

وفي هذا الوقت ستكون لنا جولة رائعة وصفحة مشرقة نقف فيها مع نماذج من زيارات النبي صلى الله عليه وسلم للمرضى. نريد أن نرى فيها كيف كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يزور المرضى؛ لنقتدي ولنتعلم ولنتربى ولنسير على هديه صلى الله عليه وسلم، فما منا من أحد إلا وتضطره الظروف لزيارة المرضى وربما لمعايشتهم، فهل تكون زيارتنا للمريض هوى وعادة أم تكون هدى وعبادة؟!

عباد الله: في خطبة لسيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه وصف لنا شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال -كما روى ذلك الإمام أحمد في مسنده-: "إنا -والله- قد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر، فكان يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير".

هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، نبي العالمين وسيد الخلق أجمعين، يصفه لنا سيدنا عثمان الذي خالطه هو وأصحابه ليل نهار في حِلّه وترحاله، فيصفه بأنه كان نبيًّا ورسولاً نعم، ولكنه كان إنسانا "يعود مرضانا"، هذا هو نبي الله صلى الله عليه وسلم الإنسان المتواضع لا الحاكم المتغطرس ولا المسئول المتكبر- حاشاه من ذلك-.

قال عثمان: "يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير".

"يعود مرضانا" يا الله، وهو رسولٌ وقائدٌ للأمة ورغم مشاغله الكثيرة إلا أنه كان يعود المرضى، وبعضنا لا تشكل مشاغله عشر مشاغل رسولنا صلى الله عليه وسلم ومع ذلك تجده كثير الاعتذار عن زيارة المرضى.

وعثمان هنا يشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما رأى بعينيه، وبما لمس من فعله، وزيد بن أرقم رضي الله عنه يصدقه ويشهد له فيقول: "عادني رسول الله من وجع كان بعيني".

نعم، هذا هو نبينا صلى الله عليه وسلم، يطبق ما يدعو إليه. يدعو الناس بأقواله وأفعاله معًا. فهو صلى الله عليه وسلم حث على زيارة المريض وكان يزور المريض عمليًّا، ففي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكّوا العاني».

بل وجعل زيارتك للمريض حقًّا من الحقوق الإسلامية التي فرضها الله له، ففي الحديث: «حق المسلم على المسلم ست»، قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: «إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا ستنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه». وبشر من يزورًا مريضًا، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع» قيل: يا رسول الله! ما خرفة الجنة؟ قال: «جناها».

بل وعظّم الله من شأن زيارة المريض، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله -عز وجل- يقول يوم القيامة: يا بن آدم! مرضت فلم تعدني، قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلان مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عُدته لوجدتني عنده»! فنبينا صلى الله عليه وسلم كان يحث على زيارة المريض، وكان أول من يزور المريض.

أيها الإخوة: دعونا نستمع لعائشة رضي الله عنها وهي تصف لنا زيارات نبينا صلى الله عليه وسلم لأقاربه المرضى تحديدًا. ففي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعود بعض أهله- يزور أهله أقاربه المرضى، وماذا كان يفعل ماذا كان يصنع إذا زار مريضًا من أقاربه أو من أهل بيته- تقول عائشة: كان يمسح بيده اليمنى ويقول: «اللهم رب الناس أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقمًا».

وفي صحيح مسلم قالت رضي الله عنها: «كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا مَرِض أحدٌ مِن أهله نفث عليه بالمعَوِّذات».

هنا يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أننا إذا زرنا المرضى من أقاربنا أو إذا شاهدنا مريضًا من أهل بيتنا، يعلمنا أن لا نكتفي بزيارته والنظر إليه، بل أن نرقيه أن ندعو له، لأن القريب أكثر شفقة ورحمة بقريبه وبأهله، فاقرأ المعوذات عليه، وادع له, فليس من السنة أن تزور المريض فتجلس عند ثم تخرج دون أن ترقيه أو تدعو له, بل السنة أن تدعو له وترقيه، ففي الصحيحين عائشة بنت سعد بن أبي وقاص أن أباها قال: اشتكيت بمكة وجاءني النبي يعودني ووضع يده على جبهتي ثم مسح صدري وبطني ثم قال: «اللهم اشف سعدًا وأتمم له هجرته».

وبعضنا حتى أولاده المرضى حتى أخوه أو زوجته يكتفي بالجلوس دون الدعاء أو الرقية، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عظّم من شأن الدعاء للمريض عند زيارته، ففي الأدب المفرد للبخاري رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا عادَ المريضَ جَلَسَ عند رأسه، ثمَّ قال سَبعَ مرار: أسألُ اللهَ العظيمَ رَبَّ العرش العظيم أن يَشفيَك، فإنّ كان في أجله تأخيرٌ عُوفي من وَجَعه».

أيها الإخوة المؤمنون: كان رسولنا صلى الله عليه وسلم، يزور المرضى، وكان إذا زار المريض بَشّرَهُ رغم ما يعانيه من ألم، كان يبشره ويكشف له عن شيء من حكمة الله في مرضه الذي يعاني منه، شاهد معي هذا الزيارة.

في السنن للإمام أبي داود عن أمِّ العلاء رضي الله عنها قالت: عادني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضةٌ، فقال: «أَبْشري يا أمَّ العلاء، فإنَّ مرضَ المسلم يُذهبُ اللهُ به خطاياه كما تُذهبُ النَّارُ خَبَثَ الذَّهب والفضة»، وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم دخل على أمِّ السائب رضي الله عنها، فقال: «ما لك يا أمَّ السَّائب تُزَفْزِفِين»؟ (أي: تَرعدين) قالت: الحمَّى لا باركَ اللهُ فيها، فقال: «لا تَسُبِّي الحُمَّى، فإنَّها تُذهبُ خطايَا بَنِي آدم كما يُذهبُ الكِيرُ خَبَثَ الحديد».

ولكن يا عباد الله، على المريض أن يقبل البشرى ممن يزوره، وأن يحسن الظن بالله، وأن يثني على ما يطمئنه به، لا أن يردّ عليه كلامه ويستثقل قوله، ويتشاءم من كلامه، استمعوا معي إلى ما جرى في إحدى زياراته صلى الله عليه وسلم للمرضى. ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: أَنَّ النَبيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ، قَالَ: وَكَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إِذا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ قَالَ: لاَ بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللهُ- احفظوها فهي من السنة التي تقال للمريض- وقال له: «لاَ بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللهُ». فقَالَ الأعرابي: طَهُورٌ! كَلاَّ، بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ - أَوْ تَثُورُ - عَلَى شَيْخٍ كَبيرِ تُزِيرُهُ القُبُورَ. فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "فَنَعَمْ إِذًا".

ولذلك يا أيها المؤمنون، كان نبينا صلى الله عليه وسلم في زياراته للمرضى ينهاهم عن اليأس والكلام المخالف للعقيدة، ويبث فيهم الأمل، ففي زيارة قام بها النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس رضي الله عنه وكان مريضًا يشتكي، فتمنى العباس الموت، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عم! لا تتمنى الموت فإنك إن كنت محسنًا فإن تؤخر تزداد إحسانًا إلى إحسانك خير لك، وإن كنت مسيئًا فإن تؤخر فتستعتب من إساءتك خير لك فلا تتمنّ الموت».

بل ويستحب قعود الزائر عند رأس المريض، ويستحب تطييب نفس المريض بالشفاء العاجل والعمر الطويل ففي الحديث: «إذا دخلتم على مريض فنفِّسُوا له في أجله (بطول العمر) فإن ذلك لا يرد شيئًا ويطيب بنفسه».

أيها الإخوة: والنبي صلى الله عليه وسلم كان يزور المرضى من جيرانه حتى ولو كانوا كفارًا، تطبيقًا لأخلاق الإسلام، ورجاء أن يدعو ذلك المريض للإسلام، فقد أخرج البخاري وأبو داود والنسائي عن أنس أن غلامًا من اليهود مرض فأتاه النبي يعوده فقعد عند رأسه فقال له: «أسلم» فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه فقال له أبوه: أطع أبا القاسم، فأسلم فقام النبي وهو يقول: «الحمد لله الذي أنقذه بي من النار».

ولذلك قد تزور مريضًا تاركًا للصلاة أو عاقًّا أو مرابيًا، فذكره بالله وذكره باليوم الآخر وبالرحيل من الدنيا وبالتوبة، فلعلها تكون الكلمات الأخيرة التي يسمعها منك ولعلها تكون سببًا في توبته ودخوله الجنة.

عباد الله: النبي صلى الله عليه وسلم كما كان يزور المرضى كان هو كذلك يزار مريضًا: فعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يوعك فقلت يا رسول الله إنك توعك وعكًا شديدًا، قال: «أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم»، قلت: ذلك أن لك أجرين، قال: «أجل ذلك كذلك».

وهذا نبيكم سيد الخلق أجمعين كان أشد الناس بلاءً حيث يشتد عليه المرض أكثر من غيره حتى قالت عائشة رضي الله عنها: «ما رأيت أحدًا أشد عليه الوجع من رسول الله». فيالله ما أعظمه من رسول صلى الله عليه وسلم، وما أصدقها من حياة عاشها بحلوها ومرها، وما أكمله من هدي جاء به، فاقتنع الناس بفعله قبل قوله، وبما شاهدوه قبل ما سمعوه. يزور الناس وهم مرضى فيتعلمون منه الخير، ويزوره وهو مريض فيأخذون منه الحكمة.

أقول قولـي هـذا وأستـــغفر الله...


الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين... والصلاة والسلام على رسولنا الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين... وبعد:

أيها المؤمنون: الصحابة على نهجه صلى الله عليه وسلم في زيارة المرضى سار أصحابه رضي الله عنهم واقتدوا به، ونحن علينا كذلك أن نسير ونقتدي. ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبح اليوم منكم صائمًا؟» قال أبو بكر: أنا. قال: «من عاد منكم اليوم مريضًا؟» قال أبو بكر: أنا. قال: «من شهد منكم اليوم جنازة؟» قال أبو بكر: أنا. قال: «من أطعم منكم اليوم مسكينًا؟» قال أبو بكر: أنا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما اجتمعن في رجل إلا دخل الجنة».

وعلى نهجه في مؤانسة المرضى ورقيتهم والتخفيف عنهم والتلطف بهم سار أصحابه رضي الله عنهم، فقد روى البخاري في الأدب المفرد عن سعيد بن وهب قال: "كنتُ مع سَلمان رضي الله عنه ـ وعاد مريضًا في كِنْدَة ـ فلمَّا دخل عليه قال: أَبشِر، فإنَّ مرضَ المؤمن يَجعلُه الله له كفارةً ومستعتبًا، وإنَّ مرضَ الفاجر كالبعير عَقله أهلُه ثمَّ أرسلوه، فلا يدري لِم عُقل ولِم أُرسِل".

اللهم اجعل أعمالنا صالحة، واجعلها لوجهك خالصة، ولا تجعل لأحد فيها شيئًا... يا رب العالمين.

0 التعليقات:

إرسال تعليق